نحن غارقون فى الذاتية
دون أن نشعر . .
لا يلاحظها إلا أصحاب
العقول القوية و أصحاب الحكمة . .
و حتى لو لاحظها صاحب
العقل فهو يغرق فيها أيضا رغما عنه !!
فهكذا خلقنا الله . .
(ذاتيون) أكثر و (موضوعيون) أقل . . !!
لذلك أوصانا الله بالخير
و الحسنى و التراحم فيما بيننا . .
فهو سبحانه يعلم ماذا
نحن عليه !؟
و الذاتية تحكم كل شيئ
بيننا . . تقريبا
تحكم كل علاقاتنا و
تعاملاتنا و مشاعرنا . . بل هى تعلو على أفكارنا !!
فإن قدم إليك شخص ما
(موضوع) جيد و أنت تحب هذا الشخص فأنت تمدح (موضوعه) بقوة و حماس
و إن قدم إليك شخص ما
(موضوع) جيد و أنت لا تحبه و لا تكرهه فأنت قد تثنى عليه أو لا تكترث . .
و إن قدم إليك شخص ما
(موضوع) جيد و أنت تكرهه و لا تحبه فأنت تهاجم (موضوعه) بكل شراسة !!
و هذه هى (الذاتية) التى
تعمل فينا رغما عنا . . !!
فالموضوع جيد فى الحالات
الثلاثة فى المثال السابق . . لكن (ذاتيتنا) صبغت (الرأى) بمشاعرها !!
و من الصعب على أى إنسان
أن يتجاوز (الذاتية) التى تعمل فيه و تشكل كيانه . .
فإن كان لك (رأى) جيد و
الناس تحبك . . غير أن يكون لك (رأى) جيد و الناس تكرهك !!
فى الأولى سيمدحونك بقوة
. . و فى الثانية سيهاجمونك بعنف و قسوة . .
مع أن رأيك جيد و حسن و
صحيح . .
لكن ماذا لو كان (رأيك)
خطأ و الناس تحبك !!؟
سوف يجاملك الناس و سوف
يرحمونك و العاقل منهم (الذى يحبك) سوف ينصحك أو ينقدك . .
فمن (الخطورة) فى أى
مجتمع أن يكون صاحب الرأى الخطأ محبوبا عند الناس !!؟
و هذا يحدث كثيرا . .
لكن كيف أحبوه !؟
إما أنهم أحبوه لمصلحة
لهم عنده . . أو أنه خدعهم !!
لكن أين الحقيقة !؟ و
أين الحق فى كل هذه الأحوال و الأصناف !!؟
لكى ترى (الحقيقة) فى أى
أمر برغم (ذاتيتك) فلابد أن يكبر عقلك و يتسع أفقه و مداره !!
لابد أن يتخطى عقلك ( أسر
) الذاتية . . سجن الذاتية . . الحيز الضيق للذات !!
فإن تخطى العقل حدود
الذاتية أصبح عقلا واعيا مدركا راقيا واسعا . . ذو نظر شامل
لكن هذا (العقل) الراقى
مازال بحاجة إلى شيئ مهم جدا . . أهم من كل الأشياء الأخرى !!
ألا و هو (المقياس) . .
!!
و كلمة (المقياس) يعنى
قياس شيئ بشيئ . . يعنى (نسبة) شيئ إلى شيئ !!
لأننا عايشين فى
(النسبية) و لا يوجد حولنا شيئ (مطلق) !!
هكذا خلقنا الله و خلق
كل شيئ حولنا . . نسبى !!
فإن قلنا مثلا أن هذا
(الخط) معووج . . فهو معووج بالنسبة لخط آخر نعرفه مستقيما !!
فلكى تعرف (إعوجاج) أى
خط لابد يكون عندك خط مستقيم أصلا . . و إلا لن تعرف شيئا !!
و إذا قلت أن هذا
(إنسان) سيئ فلابد أن لديك نموذج (إنسان) آخر جيد تعرفه و تأخذه مقياس . .
و
هكــــــــــــــــــــــــذا . .
نحن نعيش فى (نسبية)
كبيرة واسعة فى كل الأشياء و فى كل الأمور . .
فالعقل الراقى الذى يريد
أن (يحكم) بالحق و بالصواب و الحقيقة لابد أن يكون لديه مقياس !!
و (المقياس) لابد أن
يكون صحيحا و حقيقيا لكى تكون جميع أحكامك صحيحة و حقيقية . .
و لا يوجد فى كل الدنيا (مقياس)
صحيح . . إلا الله
حتى (مقياس) العلم يتغير
و غير ثابت . . لأنه صحيح فى وقت و فى وقت آخر يتبدل !!
لأن (مقياس العلم) بشرى
و إنسانى . . و الإنسان مهما إجتهد فهو غارق فى (النسبية) !!
لا يوجد لدينا (مطلق) .
. لا يوجد إلا الله . . الله إيمانا . . هو علم العقل الراقى !!
فلكى تحكم على أى أمر إن
كان صوابا أو خطأ فلابد أن يكون لك ذلك (المقياس) . .
و إلا سوف تتخبط فى جهلك
و فى جهل الناس الذين جعلتهم (مقياس) لعقلك !!
و هكذا يعيش أكثر الناس
. .
يحكمون و يثرثرون و
يقررون و يصنفون وفقا لمقاييس ناس آخرين أكثر منهم جهلا و خطأ . .
إلا من رحمه الله فأعطاه
(الحكمة) التى هى (عقل) مدرك راقى واعى . . جعل الله مقياسه
إنها ليست (عبقرية) و
ليست (ذكاء خارق) بل هى تأتى بطلب من يطلبها . . فقط طلب !!
فإن طلبها من الله إنسان
تأتيه و تجعل حتى من يجهل القراءة و الكتابة ذو عقل منير يشع ذكاء و نورا
إن الله هو (المقياس)
الوحيد الصحيح الذى يستطيع أن يلجأ إليه كل حائر و كل جاهل فى هذه الدنيا
فتزول حيرته و يزداد
علما و فهما و صوابا و أمنـــــا و خيرا كثيرا . .
ثم يعلو (عقله) فوق
(ذاته) فيرى من الحق مالا يراه غيره من الناس . . و يسعد
و الحمد لله رب العالمين
. .
================================
ثروت محجوب - 5:50م
الجمعة 16-10-2015
No comments:
Post a Comment